رحلتى مع الترجمة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة القاهرة

المستخلص

إنها رحلة طويلة من المتعة والعذاب، ومسيرة استمرت حتى الآن حوالى نصف قرن من الزمان، طوفت فيها مع لغات عديدة دون سأم أو ملل وبغير أن يفتر حماسى أو يقل شغفى، وغُصت إبانها بحثا عن لآلى ودرر وأصداف ثمينة، متسلحًا بالصبر ورافعًا شعار الإجادة والأمانة. ولقد آن الأوان لأکتب عنها فى استحياء بغير کبرياء، حيث إن ما حصدته وجنيته کان أثمن بکثير مما توقعته أو أملته، وحيث إن المردود الذى حاز رضائى کان أکثر من المعاناة التى لقيتها إبان الرحلة. إنها رحلة مثل التى تحدث عنها شاعر الإسکندرية اليونانى کفافيس "إلى إيثاکا"، التى لا تمنح الثراء أو العزاء، بل تمنح السعادة والمتعة.
ولقد قابلت فى هذه الرحلة عقولاً وألباباً تنحنى أمامها أعتى الهامات، وکنوزاً من المعرفة لا تتيسر إلا بارتياد المخاطرات، وفنًا وإبداعًا ظل خالدا على مدى السنوات. وکان ولعى باللغات وأسرارها معينا هادياً على مدى هذه الحقبة الطويلة، فقد کنت أتعزى بقول "کاتو" الأکبر الرومانى: "جذور الأدب مرَّة ، لکن ثماره حلوة". فصبرت حتى قطفت الثمار وذقت طعم الحلاوة، کما ذاق "أوديسيوس" ورفاقه طعم ثمرة اللوتس التى أسکرتهم وأوصلتهم إلى النشوة الغامرة. وارتدت مع "هيراکليس" حديقة الهسيبريدات بحثا عن التفاحات الذهبية، وخضت مع "أوديسيوس" معارک مع مسوخ مهولة مثل "الکيکلويس"، ورافقت "هيراکليس" فى صراعه مع الوحوش الضارية، وشاهدت معارک الأبطال ومشاهير الرجال klea andrôn. وتتلمذت على أيدى الفلاسفة، استمتعت بأقوالهم التى تختزل الحکمة والحصافة، وتعلمت نظرياتهم التى حاولوا أن يفسروا بها الظواهر فى الکون.