بعض ملاحظات على دراسة هارى ولفسون لعلم الکلام عند المسلمين

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة القاهرة

المستخلص

غالبا ما تثير الأعمال الفکرية المؤسِّسة لأصول المعارف، أو تلک التى تحمل فى طياتها بذور ثورة منهجية، عقول الناظرين إليها من بعد. ولعل آية الخصوبة الحقَّة هى فى قدرة مثل هذه الأعمال على البقاء متجاوزةً زمانها ومکانها وقد أصبحت إرثا عالميا. وقد يُقَدَّر لها، بمراجعةِ الباحثين وتنوعِ استجاباتهم العقلية وتأويلاتهم المتباينة، حياة جديدة فى إطار ثقافى آخر له طرافته.
ولأن الترجمة هى المقدمة الضرورية للتعرَّف على أحدث منجزات العقل على اتساع دوائره، وهى المؤذنة أيضا بالإبداع الذى تتواصل معه مسيرة الحضارة الإنسانية، انطلاقا من ثقة العقل الخالص فى قدراته ومن تحرره بالفعل من الانبهار بعطاء السابقين والانصياع لسلطانهم، لزم عن حرکة الترجمة – فى مناسبات عديدة حالفها التوفيق – مراجعة للأصول، وتجديد للمناهج، وامتحان للأفکار.
وغير بعيد ما عهدناه، عند أسلافنا من النَقلة العظام المجيدين، وقد ترسَّخت عندهم تقاليد الترجمة، من جدل مع فکر الآخر أحيانا، ومن مراجعة ونقد له أوتصويب وردٍّ أحيانا أخرى، دون أدنى حرج فى الالتزام الصادق بمعرفة الرجال بالحق لا بمعرفة الحق بالرجال.
ولکم حالفنا الحظُّ لنسعد بصحبة "هارى ولفسون" Harry Austryn Wolfson، وهو علم بارز من أعلام الاستشراق الأمريکى فى القرن العشرين، رفيع القدر عالى المکانة. عکف لسنوات طويلة على دراسة بنية الفلسفة الدينية، تلک الفلسفة التى حکمت نشأتها وتطورها استجابةُ العقل الإنسانى لکلمة الوحى الإلهى ولأن نقطة البداية لهذه الفلسفة کانت مع "فيلون" السکندرى الذى ظهرت عنده أول محاولة للتوفيق بين "الکتاب المقدس" وبين فلسفة اليونان والذى تقرَّر عنده مبدأ التأويل العقلى للنص الدينى تبلور مشروع "ولفسون" الفلسفى الضخم لدراسة التراث الدينى العقلى: اليهودى والمسيحى والإسلامى وصولاً بهذا التيار الفلسفى "الحادث" إلى نهايته مع "إسبينوزا" فى العصر الحديث ومروراُ بأهم شراح الفلسفة الأرسطية من المسلمين والأوروبيين فى العصر الوسيط. ولقد جاء کتابه عن علم کلام وعنوانه : The Philosophy of Kalam (الصادر عن مطبعة جامعة هارفارد عام 1974) بمثابة التعبير عن الحلقة الثالثة من حلقات هذا التيار الفلسفى الدينى المتميز.